الحل
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فالحج رُكن مِن أركان الإسلام فرَضه الله ـ عز وجل ـ على القادر المُستطيع، قال تعالى: (وللهِ علَى الناسِ حِجُّ البيتِ مَن استطاعَ إليهِ سبيلًا ومَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ) ومِن حديثه صلى الله عليه وسلم: "تابِعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما يَنفيانِ الفقرَ والذنوبَ كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ والذهبِ والفِضَّة". والاستطاعة التي هي شرط الحج تَعني أن يملك الفرد نفقات الزاد والراحلة فائضةً عن حَوائجه الأصلية وحاجات مَن تَلزمه نَفقتُه، وأن يكون طريقه وصحته في دائرة الأمان. ومَن مَلَكَ الزاد والراحلة ولم يَحجَّ فهو مُهدَّدٌ تَهديدًا مُزَلزِلًا، يقول الرسول الكريم: "من ملك زادًا وراحلةً تبلِّغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديًّا أو نصرانيًّا".
وبناء على ما تقدم يُمكننا أن نقول: لقد كانت حياتك ولا تزال أيها السائل قبل الإحالة إلى التقاعُد وافيةً بحاجياتك وحاجيات مَن تَعُول، بدليل أنك وصَّلت أبناءك جميعًا إلى المرحلة السِّنِّيَّة التي يكونون فيها قادرين على أن يَعتمدوا على أنفسهم، وبدليل أنك استطعتَ أن تُزوج خمسةً منهم وقت أن لم تكن معك مُكافأة، وهذا يدل على أن مُكافأة نهاية الخدمة فائضةٌ عن الحوائج الأصلية، خاصَّةً أن ما يُصرف مِن المعاش شهريًّا يُضاهي أو يزيد ما كان يُصرف مِن مرتب.
والفقهاء أيها الأخ المسلم يُفتي مُعظمهم بوُجوب الحج على الفور لمَن استطاعه، فمتى تحققت الاستطاعة وَجَبَ الحج، وهذا ما ينبغي أن يُلتزم؛ لأن مَن ملَك المال وقال في نفسه: احفَظْه لتُواجهَ به ما يستجدُّ مِن مَطالب. لن يحج؛ إذْ مَطالب الحياة مُتجددة نامية، قال الشاعر :
تموتُ مع المرءِ حاجاتُهُ وحاجةُ مَن حيَّ لا تَنْقَضِي
وفي حالتك أيها السائل أقول لك: الذي وفَّقك إلى تزويج خمسةٍ مِن أبنائك مِن غير أن تكون هناك مُكافأة سيُوفقك بفَضله إلى تزويج الأربعة الباقين، فسِرْ على بركة الله إلى الحج، وليكنْ ولدُك عونًا لك على طاعة الله، ولا يكونوا سببًا في تلقِّي كتابِك بشِمالك يومَ لا ينفعُ مالٌ ولا بنون، ولْيَجِدُّوا في إسعادك بتَشجيعك على الحج فستكون سببًا في إسعادهم مِن حيث لا يدرون.
والله أعلم .