فضيلة الشيخ عطية صقر
معلوم أن الحج يجب على المستطيع، ومن الاستطاعة القدرة المالية، فإذا وجد المسلم المال الذي يكفي لنفقات الحج زائدًا على النفقات الواجبة عليه لمن يعولهم وجب الحج عليه، وقد رأى بعض العلماء أن يكون هذا المال زائدًا على نفقته ونفقة من يعولهم مدة العمر الغالب، وليس مدة الغياب في الحج، فلو كان له مورد رزق ثابتًا يدر عليه سنويًّا أو شهريًّا ما يكفيه هو وأسرته ولو باع شيئًا منه ليحج أثر ذلك على حياته وحياة أسرته تأثيرًا شديدًا يلجئه إلى الاستدانة أو السؤال فلا يجب عليه الحج عن طريق الاستغناء عن بعض ممتلكاته، لكنه لو فعل ذلك وحج صح حجه وأغناه عن حجه الإسلام، وإن كان لا ينجو من المؤاخذة على ما ألجأ نفسه وأسرته إليه مما لا يرضاه الإسلام.
وبالمثل يقال فيما إذا لم يجد ما يزيد على نفقته ونفقة أسرته فهل يقترض ليحج؟
لا يجب عليه الاقتراض لذلك؛ لأن الاقتراض للحج منهي عنه بدليل الحديث الذي رواه البيهقي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل لم يحج، هل يستقرض للحج؟ فقال: "لا"، والنهي الذي تضمنه النفي قيل للتحريم وقيل: للكراهة.
لكن يجوز له أن يقترض ويحج إذا اطمأن إلى أنه سيرد القرض دون تأثير كبير على دخله وعلى أسرته، ومن صور الاقتراض تكوين جمعية أو إنشاء صندوق باشتراكات من الأعضاء، يأخذ حصيلتها شهريًّا أو سنويًّا بعض الأعضاء الذين يمكنهم الحج بهذه الحصيلة مع مداومة الاشتراك ليؤدي ما عليه؛ وهذه الصورة من التكافل جائزة.
--------------------------------------------------------------------------------
** رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف سابقًا.