[
font=Arial Black]الفصل السابع[/font]
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل و النهار ذكره و إذا لم يقم به نسيه." رواه مسلم.
فإذا أردت أيتها الحبيبة أن تتقني القرآن العظيم فاقرئيه في صلاتكِ في ليلكِ و نهاركِ ...
استعيني بالصلاة على تثبيت الحفظ ( و استعينوا بالصبر و الصلاة ) ...
إذا تم حفظ الصفحة في جلسة الشروق أو في الليل حاولي أن تصلي بهذه الصفحة ركعتين أو أربع أو ست ركعات نعم و ليكن حديث الرسول صلى الله عليه و سلم السابق ذكره , على بالكِ و بين عينيكِ...
ردديه كل صباح و مساء و احرصي على أن تكون دائما صلاة الضحى بما حفظتِ بالليل و قوي نفسكِ و همتكِ وعزيمتكِ بهذا الحديث الجميل ففي صحيح الترغيب و الترهيب عنه صلى الله عليه و سلم :" من صلى الضحى ركعتين لم يكتب من الغافلين و من صلى أربعا كتب من العابدين و من صلى ستا كفي ذلك اليوم و من صلى ثمان كتبه الله من القانتين و من صلى ثنتى عشرة ركعة بني له بيتا في الجنة."
فإذا وفقك الله تعالى و صليت اليوم ركعتين أو أربع أو...أو... فاحمدي الله حتى يزيدكِ و يعينكِ على أن تصلي بالصفحة نفسها قيام الليل... فقبل أن تنامي تصلي بالصفحة نفسها كذلك ركعتين أو أربع أو... أو... و هكذا كل يوم و كل ليلة و ستجدين بإذن الله تعالى اتقانا عجيبا...
و استمعي إلى هذا الخبر الجميل الجميل فاني اشعر أنه سيقويكِ...
كان احد العلماء إذا أراد أن يستشهد بآية من القرآن الكريم كان يستحضرها سريعا لماذا يقول جاره لأنه :" كان يديم صلاة الليل و التلاوة فلكثرة درسه و صلاته صار القرآن كأنه بين يديه."
و قال الشنقيطي رحمه الله : " لا يثبت القرآن في الصدر و لا يسهل حفظه و ييسر فهمه إلا القيام به في جوف الليل. " و كان رحمه الله تعالى لا يترك ورده صيفا و لا شتاء. أي لا يؤخره الحر و لا يمنعه البرد..
.
و هكذا كان الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى كان يستيقظ كل ليلة في قريب الساعة الثانية صباحا فيقوم و يصلي حتى أذان الفجر.
و كان ذات يوم في سفر و رجع مرهقا و نام الساعة الواحدة و النصف و قام يصلي حتى لا يخل بورده مع انه كان كثير الأشغال.
أرأيت أيتها الحبيبة إلى هذه الهمة...
أرأيت أيتها الحبيبة إلى هذه العزيمة...
كان رحمه الله تعالى يداوم على قراءة ورده من القرآن باستمرار... يقرأ و هو في طريقه إلى الصلاة و لا يقبل أن يقاطعه أحد و هو ذاهب إلى المسجد لأنه وقت ورد القرآن فإذا اضطر إلى قطع الورد و الكلام مع أحد الطلبة يقف عند باب المسجد لحين إقامة الصلاة و يتم الورد.
قال الشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله تعالى حدثني الشيخ عبد الله البسام رحمه الله تعالى أنه كان يراجع القرآن مع الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى يبدأ الأول بالختمة فيقرأ ثمنا ثم يقرأ الآخر الثمن الذي يليه و هكذا حتى إذا انتهت الختمة بدأ ختمة جديدة يأتي من بدأ أولا يبدأ ثانيا و هكذا حتى يكون كل منهما قد قرأ القرآن كله و راجعه كله.
فاقرئي في صلاتكِ بما تحفظين و ذلك حتى تنالي الأجر العظيم و حتى تتقني حفظكِ و تحكميه.
سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم قارئا يقرأ من الليل في المسجد فقال صلى الله عليه و سلم : " يرحمه الله لقد أذكرني كذا و كذا آية أسقطها من سورة كذا و كذا."
و في رواية عن عائشة رضي الله عنها قالت : " سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا يقرأ في سورة بالليل فقال": " يرحمه الله لقد أذكرني كذا و كذا آية كنت أنسيتها من سورة كذا و كذا."
قال الحافظ في الفتح : " في الحديث جواز رفع الصوت بالقراءة في الليل و في المسجد."
و عن ابن أبي داود عن علي رضي الله عنه : انه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن فقال : "طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم."
أيتها الحبيبة...
ارفعي صوتكِ إذا أردت الحفظ المتقن فإن ما سمعته الأذن رسخ في القلب.
و كن أحد العلماء يقول: " إذا درستم فارفعوا أصواتكم فانه اثبت للحفظ و أذهب للنوم" و كان يقول: " القراءة الخفيفة للفهم و الرفيعة للحفظ."
فإذا حان وقت الحفظ ادخلي غرفتك و أغلقي عليك الباب و صلي ركعتين خفيفتين تكثرين فيهما من التوبة و الاستغفار و تطلبين فيهما من ربك المعونة و المدد و التيسير و لا يفونك حديثه صلى الله عليه و سلم الذي يقول فيه: " من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين يتمهما أعطاه الله ما سأل معجلا أو مؤخرا."
ثم ابدئي الحفظ و اجهري بقراءتك و لكن انتبهي ...
إن المقصود برفع الصوت هنا أي أثناء الحفظ هو أن تسمعي نفسكِ دون أن تؤدي الآخرين و احرصي على ذلك خاصة إذا كنت في المسجد.
و في الجهر بالقراءة فوائد منها :
قال الغزالي رحمه الله تعالى:
1- لأن العمل فيه كثير.
2- و لأن فائدته –أي الجهر- أيضا تتعلق بغيره فالخير المتعدي أفضل من اللازم.
3- و لأنه يوقظ قلب القارئ و يجمع همه أي الفكر فيه و يصرف إليه سمعه.
4- و لأنه يطرد النوم.
5- و لأنه يزيد في نشاطه للقراءة و يقلل من كسله.
6- و لأنه يرجو بجهره تيقظ نائم فيكون هو يسبب إحيائه.
7- و لأنه قد يراه بطال غافل فينشط بسبب نشاطه و يشتاق إلى الخدمة أي العبادة.
فمتى حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل و إن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر و بكثرة النيات تزكو أعمال الأبرار و تتضاعف أجورهم فان كان في العمل الواحد عشر نيات كان فيه عشر أجور.
من فوائدها:
تعليم القراءة السليمة و الصحيحة فربما يسمعك من لا يحسن القراءة فيسمع منك آية أو كلمة فينتفع.
الفصل التاسعمصاحبة اهل القران سبب من اسباب حفظ القرانأيتها الحبيبة...
إن أردت أن تحفظي القرآن بإتقان...
إن أردت أن تحافظي على أوقاتكِ... و تغتنمي ساعات عمرك...
لا تصاحبي إلا صاحبة الهمة و لا تصاحبي إلا شابة محبة للقرآن... تسألينها و تسأٌلكِ كم حفظت... و كم راجعت و هكذا.
فالطيور على أشكالها تقع و كل قرين بالمقارن يقتدي و تأملي قول الشاعر :
لا تصحب الكسلان في حالاته ********* كم صالح بفساد آخر يفسد
عدوى البليد إلى الجليد سريعة ********* و الجمر يوضع في الرماد فيخمد
فاحذري و انتبهي و انظري من تخاللين...
و إليك كلام طبيب القلوب العلامة الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى و كأنه يرشدكِ و يوجهكِ إلى اختيار الأصحاب فتأملي كلامه حتى تري و تشاهدي كيف يكون أثر الصحبة و كيف أن الإنسان ينتفع برؤية الصالحين و بمجالستهم و كيف أن الصحبة لها أثر كبير و دور فعال في إيقاظ الهمم و بث النشاط في النفس.
يقول رحمه الله : "علم الله ما رأيت أحدا أطيب منه قط –أي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- مع ما كان فيه من ضيق العيش و خلاف الرفاهية و النعيم بل ضدها و ما كان فيه من الحبس و التهديد و الإرهاق و هو مع ذلك من أطيب الناس عيشا و أشرحهم صدرا و أقواهم قلبا و أسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه و كنا إذا اشتد بنا الخوف و ساءت منا الظنون و ضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه و نسمع كلامه فيذهب ذاك كله و ينقلب انشراحا و قوة و يقينا و طمأنينة."
أرأيت أيتها الحبيبة كيف تكون الصحبة.
أرأيت إلى تأثير الصاحب في صاحبه.
فمن الآن حددي الصاحبة... فانه كما قيل ساحب إما أن يسحبك إلى الخير و إما أن يسحبك إلى الشر...
فسلي نفسكٍ... من أصاحب ...?
و قبل أن تسرعي في اختيار الصاحبة أنبهك على أمر خطير ... لقد عد أحد العلماء حفظه الله تعالى صحبة الكسالى ذوي الإرادات الضعيفة من أعظم أسباب الفتور...
أيتها الحبيبة...
و حتى لا أطيل عليكِ...
ما دمتِ قد اخترت القرآن فلا تصاحبي إلا أهل القرآن أدعو الله تعالى أن يرزقكِ الاستفادة منهم و أن ينفعكِ برؤيتهم حتى تكوني على الدوام نشيطة.
كان أحدهم ينظر إلى أحوال محمد بن واسع رحمه الله و إلى اجتهاده فينشط و يقوى لمدة أسبوع. و قال آخر :" كنت أنظر إلى شيوخي فتكون رؤيتي لهم قوتي من الجمعة إلى الجمعة."
نعم... فاصدقي الله تعالى يصدقك...
و أذكر لكِ قصة شاب كان قد صحب أستاذا في التجويد ثم تركه في الله مع أنه كان في حاجة إلى من يعلمه التجويد و لكن لم يسترح للأستاذ لأنه كان من أنصار الحزبيين و المؤيدين لهم... ز كان يقول عن الشيخ الألباني رحمه الله تعالى إذا قال له الشاب قال الشيخ الألباني فيقول و ماذا يبيع الألباني و هكذا في الآخرين إذا ذكروا فلما تركه الشاب في الله أبدله الله تعالى مجاورة أهل القرآن بل و رزقه همة و نشاطا في مراجعة القرآن و من ترك شيئا لله أبدله الله خيرا منه فمن ترك صحبة الكسالى رزقه الله صحبة أهل الهمم العالية و النيات الصادقة بل و ربما يكون هذا الهجر و الترك –لأهل المعاصي و الكسالى- سبب من أسباب الزواج بزوج صالح تراجعين مع القرآن و يسمعكِ كلما حفظه بإتقان...
فالله المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله تعالى.